عجبت لأهل الأمل ، وطمعهم في طول العمر !! وقصّة غرق النجّار

بسم الله الرحمان الرحيم
ورد عن احد الحكماء القدماء كلاما مفيدا ويستحقّ التوقـّف عنده لأهميته ..قال : لقد عجبت لأهل الأمل ، وطمعهم في طول العمر !!! ووجدتّ أعدى الناس (هم) الأولاد !! استكثر الآباء لهم ،، وأتعبوا أنفسهم في إصلاح معايشهم بهلاك أنفسهم ... كـ "صاحب السفينة" !!! .. قالوا : كيف كان ذلك ؟؟ قال الحكيم : زعموا أنه كان رجل نجّار يعمل بيده فيصيب كل يوم درهمًا ...ينفق < نصفه> على أب له شيخِ كبير ، وامرأة له ، وإبن وبنت ،،،، ويدّخر لنفسه <نصفه> .. فعمل زمانًا،،، وعاش بخير .. فنظر يوماَ فإذا هو قد استفضل (وفـّر) مائة دينار ..
فقال : لو عملت سفينة واشتغلت بتجارة البحر >> رجوت أن أتموّل (أي أصبح ثريّا) ..
فقال له أبوه : (( لا تفعل ،،، ( لأنني قد التمست لك عملًا تستطيع ان تعيش منه يومًا بيوم ،، وتكون فيه سعيدا ، وبجوارنا جميعا بدون البعد عنّا ، والمجازفات ، ومخاطر البحر.. فقال الإبن : (( اتـّجِرُ ،، فان عشت ، عشت بخير،، وإن متّ تركت أولادي بخير )) ..قال الأب : (( يا ولدي : لا يكوننّ ولدك آثر عندك من نفسك )) .فعمل سفينة ، وركب فيها بتجارة ، فغاب سنة ثم قدم بمائة قنطار ذهبًا ... فحمد الله والده وقال : (( يا بنيّ : إني كنت نذرت لله تعالى إن ردّك سالمآَ أن أحرق السفينة )) .. قال الإبن : (( لقد أردتّ هلاكي )) !!! قال الأب : (( إنما أردتّ حياتك !! فأقبل على الشكر ، فقد أصبت غنى الدهر )) !!
فلم يقبل الإبن،، وخرج ،، فغاب سنة وبعض أخرى ،، فقدم بأضعاف ما قدم به أوّل مرّة ،،
فقال لأبيه : (( لو كنت أطعتك لم اصب هذا المال )) !!
قال : (( يا بُنيّ : إنما أراك تعمل لغيرك ،، وسيجرعك ما ترى غُصّة ،، فتتمنى لو كان بينك وبين هذه البلدة جبال المشرق )) ..
ثم صنع سفينة أخرى ( بالإضافة الى سفينته الأولى) ،،، فبكى أبوه ،،،
فرقّ الإبن لذلك وقال : (( يا أبت : والله لئن ردّني الله سالمًا ، لا ركبت بحرًا ما عشت )) ..
قال الأب : (( يا بنيّ : اليوم أيقنت تفقدّك )) ،، ( لأنه كان يعترض على السفينة الأولى فكيف وقد أصبح عنده سفينة أخرى ؟؟ )
فمضى الإبن ،،، فلمّا توسّط البحر أصابه موج ،، فضربت إِحدى سفينته الأخرى فإنصدعتا ،، فغرقتا ..
فجعل يتأسّف على عصيان أبيه ،،، ثم هلك ومن معه ...
فبلغ الخبر أباه ،، فكمد حتى هلك هو ايضا ..
وقسّم الميراث على إمرأة التاجر وابنه وابنته ،، فتزوّجوا ،، وصار ذلك المال إلى أزواجهنّ ... قال الحكيم معلّقا على ما حصل : فكلّ ما يجمع الأشقياء ،، إلى ذلك يصير.سبحان الله !! إنّ الدنيا غرورة وخادعة !! ومن النادر أن ينجو أحدا من مكرها وشرّها !!! ولقد عجبت لأهل الأمل ، وطمعهم في طول العمر !!!
وما أجمل قول الخليفة الراشد ، رضي الله عنهم أجمعين ، بهذا الخصوص :



*** إعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا *** وإعمل لآخرتك كأنك تموت غدا